صَلَاةِ الْعِيدِ وَحُكْم أَدَاؤُهَا فِي الْمَنْزِلِ
صَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّة مُؤكَّدة ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْخَلَاء ، فَإِذَا وُجد مَانِعٌ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ كَمَا هُوَ الْحَالُ الْآنَ مِنْ انْتِشَارِ الْوَبَاء الْقَاتِل الَّذِي يتعذَّر مَعَه إقَامَة الْجَمَاعَات ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصلي الْمُسْلِم الْعِيدِ فِي الْبَيْتِ منفردًا أَوْ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَيُمْكِن إقَامَة تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِصُورَة عَادِيَة كَمَا لَوْ كَانَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الْمَسَاجِدِ .

طَرِيقَة صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْبَيْتِ
تَكُون بِنَفْس صِفَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ الْمُعْتَادَة ، فيُصلي الْمُسْلِم رَكْعَتَيْن بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ، وَخَمْسٌ تَكْبِيرَات فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ، ثُمَّ يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ ويُسلم ، وَلَا خُطْبَةَ بَعْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ

وَقْتِ صَلَاةٍ الْعِيدِ
يَبْدَأ وَقْتِ صَلَاةٍ الْعِيدِ مِنْ وَقْتِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ ، أَي : بَعْد شروقها بحوالي ثُلُث السَّاعَة ، وَيَمْتَدُّ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ ، أَي : قَبِيل وَقْتِ الظُّهْرِ .
عَلَى الْمُسْلِمِ إلَّا يَحْزَن وَيَخَافُ مِنْ ضَيَاعِ الْأَجْرُ فِيمَا اعْتَاد فَعَلَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ لَكِنْ مَنَعَهُ الْعُذْر ؛ وَذَلِك لأنَّ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ حَاصِل وَثَابِت حَال العُذر ، بَل إنَّ التعبُّد فِي الْبَيْتِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي نعاني فِيهِ مِنْ تَفَشِّي الوَبَاءِ يُوَازِي فِي الْأَجْرِ التعبُّد فِي الْمَسْجِدِ .

وَعَلَى الْمُسْلَمِ أَنْ يَعْلَم أنَّ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ حاصلٌ وثابتٌ لِمَا اعْتَاد فَعَلَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ لَكِنَّه عَدَل عَنْهُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ ؛ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَقَال : « إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَهُم بِالْمَدِينَة ! قَال : « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ؛ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ » .

فَأَخْبَرَ النّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ لِلْمَعْذُور مِن الْأَجْرِ مِثْلُ مَا لِلْقَوِيّ الْعَامِل ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَوَوْا الْجِهَاد وأرادوه وحبسهم الْعُذْر كَانُوا فِي الْأَجْرِ كَمَنْ قَطَعَ الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ مجاهدًا بنفسه” .

وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ قَالَ : « إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا ، فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ ، كُتِبَ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ » . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي « السُّنَن » ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي « الصَّحِيح » ، وَالْحَاكِمُ فِي « الْمُسْتَدْرَك » ، وصَحَّحه . وَفِي رِوَايَةٍ : « إِذَا مَرِضَ العَبْدُ ، أَوْ سَافَرَ ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا » أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي « الصَّحِيح » عَنْ أَبِي مُوسَى أيضًا .

كَمَا أَنَّ الْآجِرَ وَالثَّوَابِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى حُصُولِ الْعِبَادَة بِالْفِعْل ، بَل بِنِيَّتِهَا أيضًا ، فَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ » رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي « مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ » .

الْحِكْمَةَ مَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ
شَرَعَ اللَّهُ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إظهارًا للسُّرور بِمَا تمَّ قبلهُما مِن عِبَادَتِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ ، وجمعًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ عَلَى الْفَرَح بِهَاتَيْن الْعِبَادَتَيْن ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَقَال : « مَا هَذَانِ الْيَوْمَان ؟ » ، قَالُوا : كُنَّا نَلْعَب فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : « إنَّ اللَّهَ قَدْ أبدلكم بِهِمَا خيرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْأَضْحَى ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ » .
.

وَفِي ظِلِّ الظُّرُوف الِاسْتِثْنَائِيَّة الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الْعَالَمِ مِنْ انْتِشَارِ فَيْرُوس (كوفيد-19) ؛ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الالتزامُ بتعليمات الْجِهَات الْمَسْئُولَة الَّتِي ارتأت إيقَاف صَلَاةِ الْعِيدِ فِي كُلِّ المســـاجد والساحات ، وَالِاكْتِفَاء بِبَثّ صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الْكُبْرَى مَعَ وَضْعِ كَافَّة الإجْرَاءات الاحترازية الَّتِي تُضَمِّنُ سَلَامِه حَيَاة النَّاس وَالحِفَاظِ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ ؛ وَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّر فِي الْقَوَاعِدِ مِن أَنَّ « دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقدَّم عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ » .



وَإِن مَنْ قَالَ بِجَوَازِ مُخَالَفَة تَعْلِيمَات الدَّوْلَة الرَّسْمِيَّة الْقَاضِيَة بِمَنْع صَلَاةِ الْعِيدِ فِي المســـاجد والساحات فِي هَذِهِ الآونة ؛ فَقَدْ قَالَ قَوْلًا بِغَيْر علمٍ ، وتسبَّب فِي إيقَاعِ النَّاسُ فِي الْمَهَالِكِ ، وَلَا يَسْتَشْفِع لِهَذَا الْقَوْلِ حُسْن الْقَصْد ؛ فَهُوَ غَيْرُ كافٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ ؛ بَل يُعدُّ قتلًا إذَا مَاتَ النَّاس بِسَبَبِ قَوْلِهِ .



وَخِتَام لِيَعْلَم الْجَمِيعِ إنْ الْعِبَادَةَ فِي الْبَيْتِ فِي هَذَا الْوَقْتِ تُوَازِي فِي الْأَجْرِ الْعِبَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ ، بَلْ قَدْ تَزِيدُ أجرًا عَلَى الْعِبَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ ؛ وَذَلِك لأنَّ هَذَا هُوَ وَاجِبٌ الْوَقْتَ الْآنَ ، لَا سِيَّمَا مَعَ تَفَشِّي الْوَبَاء الْقَاتِل الَّذِي ذَهَبَ ضحيتَه آلافُ الْبَشَر ، وَانْتَشَرَ فِي عَشَرَات الْبُلْدَان ، وَهُو فَيْرُوس « كوفيد-19 » ، كَمَا أنَّ فِيهِ مَعْنَى الصَّبْرُ عَلَى هَذَا الْبَلَاءِ ، وَالثَّبَات وَالِالْتِزَام بالتعليمات مِن قِبل الْجِهَات الْمُخْتَصَّة ، وَهَذَا سببٌ لِتَكْفِير سَيِّئَاتِ الْمُؤْمِنِ وَرَفَع دَرَجَاتِه . .

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

افضل صيغة للتكبيرات في العيد والمأثور عن الرسول صل الله عليه وسلم

تَكْبِيرَات عِيدِ الْفِطْرِ . . مَع اقْتِرَاب انْتِهَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَك وَاق…